[rtl]
بماذا نستقبل رمضان ؟
الحمد لله الذي خلق الشهور والأعوام ..والساعات والأيام .. وفاوت بينها في الفضل والإكرام .. وربك يخلق ما يشاء ويختار .. أحمده سبحانه .. فهو العليم الخبير ..الذي يعلم أعمال العباد ويُجري عليهم المقادير .. لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء قدير .. في السماء ملكه .. وفي الأرض عظمته .. وفي البحر قدرته .. خلق الخلق بعلمه .. فقدر لهم أقداراً .. وضرب لهم آجالاً .. خلقهم .. فأحصاهم عدداً وكتب جميع أعمالهم فلم يغادر منهم أحداً .. وأصلي وأسلم على أفضل 
من صلى وصام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام .. صلى الله وسلم وبارك عليه ..ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلى الله وسلم وبارك عليه ..ما تعاقب الليل والنهار ونسأله سبحانه أن يجعلنا من خيار أمته .. وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته أما بعـد:- 
عبـــــــــاد الله :- سنة الله في خلقه ، حياة ثم ممات ، وحكمته في كونه ، قدوم وفوات ، واقتضت فطرة الله على بني البشر النقص والهفوات والتقصير في أداء التكاليف والواجبات ، ولهذا شرع سبحانه وتعالى ، مواسم تمسح الذنوب والآفات ، وتغسل الزلات ، وتزيل العثرات ، مواسم تزيد في الحسنات ، ويمحو الله بها الكثير من السيئات ، ومن تلكم المواسم ، شهر رمضان المبارك ، الذي ينتظر قدومه المسلمون بكل لهف ، ويتأمله المؤمنون بكل شغف ، وما هي إلا أيام قلائل ويحل هذا الضيف بيننا، فمرحباً بشهر رمضان ، فهكذا تُطوى الليالي والأيام ، وتتقلص الأعداد والأرقام ، وتنصرم الشهور والأعوام ، والناس قسمان ، قسم قضى نحبه ، مرتهن بعمله ، حسابه على ربه ، وقسم ينتظر ، فإذا بلغ الكتاب أجله ، ( فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) [يونس/49] فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ، وطوبى لمن صدقت نيته ، وطابت سجيته ، وحسنت طويته ، فكم من الناس من ينتظر شهر رمضان بلهفة وشوق ، لينهل من بركاته ، ويغترف من خيراته ، فهو المعين الدافق ، والنهر الخافق ، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية وما أحوجنا إليها في زمن ضعف فيه الإيمان وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده .. فما أحوجنا لهذه النفحات الربانية .. عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم ) (حسن )"انظر الصَّحِيحَة للألباني : 1890" والنفحة:هي الدفعة من العطية.. وقد أجمل سبحانه نفحات هذا الشهر بقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة:183].
عبـــــــــاد الله :- إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى ، ومنة عظمى ، يقدرها حق قدرها ، الصالحون المشمرون ، فواجب على كل مسلم ومسلمة منَّ الله عليه ببلوغ شهر رمضان ، أن يغتنم الفرصة ، ويقطف الثمرة ، فإنها إن فاتت كانت حسرة ما بعدها حسرة ، وندامة لا تعدلها ندامة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان تهيئةً لنفوسهم وشحذاً لهممهم فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: لما حضر رمضان قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغـلق فيه أبواب الجحـيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم) [ رواه أحمد (2/230) وحسّنه المنذري في الترغيب (2/99)، وقال الألباني في صحيح الترغيب (999): "صحيح لغيره".] .. فهذا رمضان مقبل علينا فأقبلوا عليه " وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، والقوة لأجسادكم، والبذل والفضل، والكرم والعفو والتسامح والصدق لتسموا أخلاقكم فرمضان فرصة لتربية النفس في هذه الجوانب لتستقيم طوال العام ومن لم يدرك هذه الحقائق الربانية فقد يخسر وأي خسارة أعظم من السقوط من عين الله ورعايته ورحمته قال عليه الصلاة والسلام (من لم يدَع قولَ الزورِ والعملَ 
به والجهلَ فليس لله حاجةٌ أن يدَع طعامه وشرابَه)[البخاري/6057]" وقال عليه الصلاة والسلام (رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامِه الجوع والعطَش، ورُبّ قائمٍ حظّه من قيامه السّهر) (صحيح الترغيب والترهيب (1083، 1084) .. و رمضان فرصة للتوبة النصوح والندم على ما فات من التقصير والعزم على عدم العودة للذنوب والمعاصي والآثام فالتوبة إليه والتضرع بين يديه من أهم الأعمال في شهر رمضان .. فبعد أن ذكر سبحانه وتعالى آيات الصيام قال معقباً (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )[البقرة:186]،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من صَام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفِر له ما تقدّم من ذنبه) (مسلم /760) .. و رمضان خطوة نحو التغيير لمن هجر قراءة القرآن الكريم وتدبر أحكام والعمل بما فيه فيحدد لنفسه ورداً معيناً يحافظ عليه في كل يوم فيربي نفسه ويزكي أخلاقه ويعرف مكانه من الله قال تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185] .. هذا الأحنف بن قيس كان جالساً يوما فجال بخاطره قوله تعالي: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء : 10] فقال : عليّ بالمصحف لألتمس ذكري حتى اعلم من أنا وما هي أعمالي ؟ فمر بقوم قال تعالى فيهم : ( كانوا قليلاُ من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات/17-19) . ومر بقوم قال تعالى فيهم (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )[آل عمران : 134] ومر بقوم وهو يقرأ في كتاب الله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر : 9]. فقال تواضعاُ منه : اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء ثم أخذ يقرأ فمر بقوم قال تعالى فيهم (إذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )[الصافات : 35]. ومر بقوم : يقال لهم ( ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين ) [المدّثر 42-44] فقال : اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء حتى مر على قومٍ قال الله فيهم : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[التوبة : 102] . فقال : اللهم أني من هؤلاء .. فاغفر اللهم الذنوب واستر العيوب وتجاوز عن السيئات وبلغنا رمضان بتوبة نصوح وعمل صالح .. قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطــــبة الثانــية / عبـــــــــاد الله :- فليكن رمضان هذا العام مختلف عن كل عام فنؤدي فيه الصيام بشروطه وأحكامه وآدابه ونعزم فيه على التوبة من الذنوب والمعاصي ونرد فيه الحقوق و المظالم إلى أهلها ونستغل أوقاته بالصلاة والقيام وصلاة التراويح والذكر والدعاء وقراءة القرآن .. ولتقم فيه بإصلاح ما فسد من العلاقات فيما بيننا.. بين الأخ وأخيه والجار وجارة ولنصل أرحامنا وعلينا أن نجعل من رمضان نقطة لتزكية نفوسنا وتهذيبها بالأخلاق وعلينا القيام بواجباتنا ومسئولياتنا على أكمل وجه ولنتراحم فيما بيننا فيعطف الكبير على الصغير والغني على الفقير ويرحم القوي الضعيف .. فو الله لقد آن لنا نقوم بهذه الأعمال حتى يكتب سبحانه وتعالى لنا الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة ولكي ينظر إلينا سبحانه وتعالى برحمته وعفوه فيرفع عنا كل شر ومكروه وبلاء وقد حذر سبحانه من هذه الغفلة فقال (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )[الحديد:16].
عبـــــــــاد الله :- فلنستعد بنية خالصة لوجه الحي القيوم ولنستبشر ولنفرح بمواسم العبادات والطاعات لمافيها من الفضائل والمنح والجوائز قال صلى الله عليه وسلم " من ختم له بصيام يوم دخل الجنة" ... صححه الألباني في صحيح الجامع رقم 6224 .. قال المناوي:" من ختم عمره بصيام يوم بأن مات وهو صائم أو بعد فطره من صومه دخل الجنة مع السابقين الأولين أو من غير سبق عذاب" ... ( فيض القدير 6/123) وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يا حذيفة من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله عز وجل أدخله الله الجنة" الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/412) .. فاللهم اجعلنا لك ذاكرين .. لك شاكرين .. لك خاضعين .. لك صائمين ومنفقين ومتصدقين .. اللهم بلغنا رمضان واكتب لنا فيه القبول والرضوان ... هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين .
رمضـــان ومقاصده التربوية
الحمد للهِ عزَّ واقتَدَر، وعَلا وقهَر، لا محيدَ عنه ولا مفرّ، أحمده سبحانَه وأشكُره وقد تأذَّن بالزيادةِ لمن شكرَ، وأتوب إليه وأستَغفره يقبَل توبة عبدِه إذا أنابَ واستغفَر،وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً تنجِي قائلَها يومَ العرضِ الأكبر.
إ ذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ***** تقلب عريانا وإن كان كاسيا
وخير لباس المرء طاعة ربه **** ولا خير فيمن كان لله عاصيا
وأشهد أنّ سيِّدنا ونبينا محمَدًا عبد الله ورسوله سيّد البشر الشافع المشفَّع في المحشر، صلّى الله وسلَّم وبَارَك عليه وعلى آلِه الأطهار الأخيَار وأصحابِه والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليمًا كثيرًا ما اتّصَلت عين بنظرٍ وأذُن بخبر أ ما بعـد:- 
عبــــــاد اللـه : - تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية، ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً. ماذا قدم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه؟؟ ويزداد خوفاً وفرقاً عندما يستحضر ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك). فيا الله ما أقصر الأعمار..!! تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المائة، ثم تنتهي من الدنيا وتنتقل إلى الآخرة، وهذا إن لم تتخطفك المنون في سن الشباب أو الكهولة..!! ولله در القائل: 
نسير إلى الآجال في كل لحظة ... وأعمارنا تطوى وهن مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى ... فعمرك أيام وهن قلائل
وما هذه الأيام إلا مراحل ... يحث بها حاد إلى الموت قاصد
وأعجب شيء لو تأملت أنها ... منازل تطوى والمسافر قاعد
لكن عزاء المسلمين أن لهم رباً لطيفاً رحيماً، عوضهم بقصر أعمارهم ما يدركونه به أعمال المعمرين مئات السنين، وذلك بمضاعفة الأجور والحسنات بحسب شرف الأزمنة والأمكنة ومواسم الطاعات، ومن ذلك ما أنعم الله به على عباده بفضيلة شهر الصيام ففيه مضاعفة للحسنات، وتكفير عن السيئات، وإقالة للعثرات، ولن يكون ذلك إلا بتحقيق الغاية من العبادة فما شرعت العبادات إلا لأهداف وغايات عظيمة
فقال تعالى عن عبادة الذبح يوم عيد الأضحى ((لَن يَنَالَ اللَّهَ لُـحُـومُـهَــا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ المُحْسِنِينَ)) [الحج: 37] وقال تعالى مبيننا الحكمة من فريضة الصلاة [اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ] {العنكبوت:45} .. وفي استقبال القبلة إلى البيت الحرام وأداء الصلاة بين سبحانه وتعالى أن الهدف من ذلك ليس المكان أو الجهة بقدر ما هو تذكير بعبودية الله وتقواه [لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] {البقرة:177} 
وفي عبادة الصوم قال تعالى : ((يَا أََيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ)) لأجل ((لعلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 183] فإذا لم يحدث الصيام للإنسان تلك التقوى، فإنه لم يحقق الغرض الذي شرعه الله من أجله، ويقول صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)( البخاري) ... فالصيام فيه تقديم رضا الله على النفس، وتضحية بالامتناع عن الطعام والشراب، و بالإمساك عن الشهوة وذلك ابتغاء وجه الله وحده ، ومن هنا كان ثوابه عظيمًا، قال صلى الله عليه وسلم-: "كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي" رواه البخاري ومسلم. .. فتقديم رضا الله على هوى النفس من أعظم مقامات العبودية ... عن عبد الله بن مسعود قال: ( لما نزلت (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) قال أبو الدحداح يا رسول الله أو إن الله يريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك قال فناوله، قال فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها يا أم الدحداح، قالت: لبيك قال اخرجي قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة)
لم تقل له لقد ضيعتنا وأفقرتنا كيف سنعيش ماذا تركت لأولادك ؟ كلا .. بل قالت : -
بشرك الله بخير وفرح مثلك ما أدى ما لديه ونصح
قد متع الله عيالي ومنح بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترح
عبــــــاد اللـه : - والصوم يربي العبد على الإخلاص فعندما يجعل الله رقيب عليه في كل أعماله في العبادة وفي الوظيفة وفي الشارع وفي الحارة وفي الدكان ومع زوجته وأولاده كما جعل الله رقيبا عليه في صيامه فلن يكون هناك غش ولا خداع ولا اعتداء على أموال الناس ولا أعراضهم ولاشك بأن الحياة سيكون لها طعم ومذاق جميل وسوف يسود المجتمع حياة سعيدة وتلك والله عبودية الغيب لله سبحانه وتعالى وهي التقوى التي شرع الصيام لأجلها ورتب عليها سبحانه وتعالى أعظم الجزاء ورد في الصحيحين ( ... بينما أهل الجنة في الجنة يا أهل الجنة ، وإذا بمناد ينادي يأهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون : سمعا وطاعة ، وينهضون إلى الزيارة مبادرين ، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين ، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الافيح الذي جعل لهم موعدا وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا :أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجلس أدناهم ـ وحاشاهم أن يكون فيهم دنئ ـ على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي ان أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم ، واطمأنت بهم أماكنهم بادى المنادي : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار ؟ .
فينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت لـه الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد اشرف عليهم من فوقهم وقال : يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم : اللهم أنت السلام ، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال الإكرام ... فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ؟ فهذا يوم المزيد ، فيجتمعون على كلمة واحدة ، إن قد رضينا فارض عنا ، فيقول : يا أهل الجنة أنى لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي ، هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك ننظر اليه .
فيكشف لهم الرب جلا جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لوا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة ، حتى انه ليقول : يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض عثراته في الدنيا ، فيقول : يارب ألم تغفر لي ؟ فيقول : بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه ). 
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة .
و في الصيام تخليص للإنسان من رِق الشهوة والعبودية للمادة، وتربية عملية على ضبط الغرائز والسيطرة عليها، وإشعار للإنسان بأن الحريات مقيدة لخير الإنسان وخير الناس الذين يعيش معهم،. والصائم الذي يمتنع عن المحرمات وعن الحلال الذي تدعو له الشهوة إنسان عزيز كريم قوي على يديه وأمثاله تنصر الأمة ويعود مجدها وتلك والله هي صفات الرعيل الأول من هذه الأمة ... فلا يصبح الإنسان عبدا لطعامه وشرابه وشهوته وكم من أناس ارضوا شهواتهم وارضوا غيرهم من الخلق على حساب دينهم وقيمهم ومبادئهم فعاشوا بلا قيم فعبدوا غير الله فألبسهم لباس الذل والخزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يكون الجزاء الأوفى [وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ] {التوبة:62} ... . والصيام أيضًا يعوِّد التواضع وخفض الجناح ولين الجانب، وبالتالي يعرف الإنسان قدره ويحس بضعفه، ومن عرف قدر نفسه تفتحت له أبواب الخير واستقام به الطريق.
وفي الصوم إحساس بمقدار نعمة الطعام والشراب عندما يحرم منها ونفسه تائقة إليها [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ] {البقرة:172} 
وفي توقيت الصيام بشهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن تذكير للإنسان بنعمة الرسالة المحمدية، ونعمة الهداية القرآنية التي يكون الشكر عليها بالاستمساك [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {البقرة:185} ، وفي فترة إشراق الروح بالصيام وتلاوة القرآن تتوجه القلوب إلى الله بالدعاء الذي لا يُردّ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا تُرد دعوتهم، الصائم حتى يفطر -أو حين يفطر- والإمام العادل، ودعوة المظلوم" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وحسنه الترمذي ... اللهم يا من فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين ، اجعل مآلنا إلى دار المقربين وكتابنا في عليين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، 
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم 000
الخطبة الثانية : - عبــــــاد اللـه : - ويربي الصيام في المسلم سرعة الاستجابة لأمر الله ورسوله فعندما يسارع في الإفطار وفي التوقف عن تناول وجبة السحور عند سماع الأذان ثم التوجه إلى بيوت الله لأداء فريضة الصلاة وعند نهاية شهر رمضان يسارع المسلم إلى أخراج زكاة الفطر للفقراء والمساكين ويسارع طوال الشهر إلى كتاب الله فيقرءاه في حب وشغف كل ذلك يربي في المسلم طوال العام وليس في رمضان وحسب إلى طاعة الله ورسوله وتنفيذ لأوامرهما وتلك هي التقوى كما عرفها الإمام علي رضي الله عنه عندما قال ( التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ) ... هذا أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه يفتح كتاب الله فيقرأ قول اللهSad انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] وانظروا رعاكم الله إلى سرعة الاستجابة لأمر الله ورسوله :- فيقول لأبنائه: جهزوني جهزوني... يا لله! شيخ كبير نيف على الثمانين لم يعذر نفسه، فيقول أبناؤه: رحمك الله، جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر و عمر -رضي الله عنهما- وصرت شيخاً كبيراً، فدعنا نغزو عنك، قال: والله! ما أرى هذه الآية إلا استنفرت الشيوخ، ثم أبى إلا الخروج لمواصلة الجهاد في سبيل الله، والضرب في فجاج الأرض؛ إعلاء لكلمة الله، وإعزازاً لدين الله.... فيشاء الله يوم علم صدق نيته أن يكون في الغزو في البحر لا في البر ليكون له الأجر مضاعفاً، وعلى ظهر السفينة في وسط أمواج البحار المتلاطمة يمرض مرضاً شديداً يفارق على إثره الحياة، فأين يدفن وهو في وسط البحر؟! ذهبوا ليبحثوا له عن جزيرة ليدفنوه فيها فلم يعثروا على جزيرة إلا بعد سبعة أيام من موته، وهو مسجى بينهم، لم يتغير فيه شيء كالنائم تماماً.... وفي وسط البحر بعيداً عن الأهل والوطن نائياً عن العشيرة والسكن دفن أبو طلحة ، وما يضره أن يدفن بعيداً عن الناس ما دام قريباً من الله عز وجل، ماذا يضره أن يدفن في وسط جزيرة لا أعلمها ولا تعلمها، يوم يجبر الله له كل مصاب بالجنة.
ويربي الصوم المسلم على التميز والتوحد فكما يتميز في صيامه وإفطاره وصلاته وهذا شأن كل المسلمين في شرق الأرض وفي غربها وفي شمالها وفي جنوبها فلا يوجد أمة من الأمم سواء كانت يهودية أو نصرانية اوبوذية لها هذا التميز وهذا التوحد ملايين من المسلمين يصومون في يوم واحد ويفطرون في وقت واحد وذلك دلالة على وحدة الأمة في عقيدتها وفي عبادتها وفي قبلتها وفي غايتها وهدفها وعندما يعود هذا الفهم للمسلمين سترفع راية الجهاد وتحرر الأوطان وتطهر المقدسات وينصر الضعفاء المضطهدين في بلاد المسلمين من الغرب الصليبي الحاقد ومن اليهود الماكرين وان واجب كل مسلم رجلا كان أو امرأة أن يسعى لنصرة دينه بكل الوسائل والطرق وعندما يرى الله من المسلمين صدق النية فأن نصره قريب وما ذلك على الله ببعيد ولا بعزيز.
فلنتق الله فأنها وصية الله للأولين والآخرين من عباده ، قال عز وجلSad وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131].. وهي أيضاً: وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فعن أبي أمامة صُدى بن عجلان الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: { اتقوا ربكم وصلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم }... ولنجعل من شهر رمضان نقطة للإنطلاق والتغيير والإنتصار على حظوظ النفس وشهواتها... أسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه ..إيماناً واحتساباً.. وأن يجعلنا ممن يقبل صيامه .. ويغفر زلَـلَهُ وإجرامه .. وأن يمُنّ علينا بالعتق من النيران .. والفوز بالجنان ..وأن يغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين .. وقد أمركم ربكم فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين
 
 
 
 
 
 
[/rtl]